جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3174 - 2010 / 11 / 3 - 13:07
المحور:
سيرة ذاتية
تقدمت مني هذا الصباح وبيدها فنجان قهوة سكر زيادة كما أحبه وقالت: شو هذا اليوم بالنسبة لك ؟
-يوم حلو والشمس طالعه .
-طيب ما بذكركيش هذا اليوم في شيء ؟
-شو حرب النكسه؟ لالا يمكن النكبه؟؟؟حرب بيروت الأهلية؟ سقوط بغداد؟شو هذا تاريخنا كله موت وحروب ونكسات وهذه ذكرياتنا ,صح؟.
-لالا كله لا .
-لعاد شو والله أقلقتيني ..ابشو بذكرك أنت ؟
-يا زلمه هذا اليوم عيد زواجنا 3-11-2001م.
-آه والله صحيح ,أنا بمزح معك , شو لا يروح بتفكريتني ناسيه؟ لالا أنا أصلا امحضرلك مفاجأه.... شو عامليتلنا بهذه المناسبة؟أقصد شو طابخه,أو شو خابصه؟
-شو عامليتلك؟ طبعا ولا شيء ....بعدين أنت مش متذكره نهائياً وخلص هسع .بدي أروح على الدكتوره النسائيه اليوم موعدي معها عشان (البيبي الجديد).
في كل سنة أنسى هذا اليوم ولا أتذكر منه أي شيء ما عدى بعض الضجيج والصراخ ومحاولة هروبي من المنزل مثل طفل صغير يحاول الهروب من (مقص مطهر الأولاد) فأنا في حياتي هربت من المنزل 3 مرات وأولها يوم طهوري لأنني كنتُ أبلغ من العمر وقتها 7 سنوات وشاهدت ابن الجيران وهم يطهرونه ويصرخ لذلك هربت من المنزل وتم القبض عليّ بسرعة حين انتشر الكبار والصغار في الحارة حتى البنات شاركن في عملية القبض عليّ وتم تسليمي إلى جدتي وأمي وأنا اصرخ وابكي وأقول :حرام عليكوا ما بديش أتطهر, وهذه الكلمة قلت مثلها يوم مات أبي (حرام عليكوا بديش أبوي يموت) وقلتها يوم زواجي (حرام عليكوا بديش أتزوج) ..وأذكر يوم طهوري ردت عليّ عجوز طاعنة في السن وقالت : لعاد شو بدك اتظلك نجس مثل النصارى بدون طهور ؟.
أنا لا أخترع المشاكل ولا النكد المنزلي بل هي التي تبدأ بالمشاكل وتذكرني بيوم زواجنا وبمشاكله ومشاكلنا وبحزننا العميق ومحاولة هربي من المنزل وأمي تبكي على باب الدار, أنا لا أحب أن أخلق المشاكل وإنما ذكرى هذا اليوم هي التي تخلق المشاكل باللون الأبيض والأسود فأتذكر كم مرة هربت من المنزل في حياتي كلها وهي ثلاث مرات , الأولى يوم طهوري والثانية يوم مات أبي والثالثة يوم زواجي , وهذا اليوم بالذات لست متناسيا له عامدا متعمدا لأنه عيد ميلاد زواجنا أو زواجي وإنما لأنني لا أحتفظ بذكريات طيبة عن هذه المرحلة من العمر فلا أتذكر غير الصراخ والضجيج والعواء حين دخل مجموعة من الرجال مثل أفلام الرعب والعنف وكأنني أمام فيلم من أفلام هوليوود وتضاربوا أمامي وأنا أحاول الصعود إلى المصمد للجلوس بجانب العروس كما يفعل الناس الأصحاء عقليا , ولكن فوجئت بهؤلاء الرجال وهو يتضاربون ويتنابذون بالألقاب وبالمسبات ونزلت عن المصمد والدمعة تسقط من عيني لأنني عرفت السبب وهو أن أهل العروس لا يريدون لكمرات التصوير أن تصور ابنتهم ذلك أن التصوير بنظرهم حرام وكفر , وانسلخت يومها من جسدي وأردت خلع جسدي لأطير بروحي أو لأهرب إلى أي مكان لا يعرفني به الناس وسقطت مني على الأرض دمعة حقيقية كان حجمها تقريبا بحجم أكبر حبة مطر شاهدتها في حياتي ,أما باقي الأهل فقد قالوا لي خذ العروس وادخل بيتك واحنا رايحين نحل المشكله بين الناس وحاول أهل العروس خطفها وإخراجها من المنزل المجاور لمنزلنا الذي تمت عملية الصمدة به ولكن مجموعة من النساء البواسل اللواتي يقربن لي قرابة الدم والعِرق قمن بعملية التصدي وخطفن العروس وأدخلنها معي إلى بيتي ,ونمت في ذلك اليوم دون أن أدري كيف نمتُ من شدة الزعل وأنا أعتصرُ حزنا وألما على ما حل بي وبيوم فرحي وتذكرت الناس الأصحاء عقليا كيف يحتفلون كل عام بيوم زواجهم وكيف يسمونه عيد ميلاد زواجنا , وقلت: كيف سأحتفل بهذا اليوم في العام القادم؟ ونمتُ على وجهي منكبا على بطني وصحوتُ في منتصف الليل جائعا أرتعش من شدة الجوع وأكلت حتى ثملت وانتفخت بطني وكان الطقس حارا جدا ومع ذلك شعرتُ بالبرد الشديد فأشعلتُ المدفأة وألصقتُ بها كل جسمي وخصوصاً ظهري حتى شعرتُ بالدفء..ورجعت للنوم وفي صباح اليوم التالي أردتُ النهوض فشعرت بأن جسمي خفيف جدا مثل ريشة تنس أو طاولة أو قشة طائرة بالهواء أو أن جسمي بوزن كيس مصنوع من النايلون يتطاير في الشوارع فخرجت بالبيجاما أو بقميص النوم وسرت في الشوارع والناس تنظر لي وهم يقولون: شو مش هذا العريس اللي تزوج البارح؟ طيب ليش ما يروح عند عروسته..لقد كانت الناس تتمتم كثيرا وأنا بالنسبة لي كنت (مطنش كثيرا) ومن يوم يومي مش سائل عن حدى وسرت حتى وصلت أقرب مركز صحي وكانت هذه أول مرة أدخل بها مركزا صحيا من 5 سنوات على الأقل فقام الطبيب بجس نبضي وضغط الدم فوجد أن ضغط الدم عندي 80/60ومن المفترض أن يكون 120/80فأعطاني مهدأ أعصاب وكانت هذه أول مرة لي في حياتي آخذ قرص مهدأ أعصاب وأدمنت عليه بعد ذلك 3 سنوات متواصلات حتى شفيت من حالتي ومن ذكريات ذلك اليوم المؤلم.
أنا باعتقادي أن أي انسان مر أو يمر بهذا الظرف لن يكون مؤثرا عليه كما أثر هو على صحتي, فليست كل الناس لديها حساسيتي وكثيرون من الناس من تحدث معهم ليلة عرسهم مشاكل أفضع بكثير من مشكلتي ومع ذلك ينامون بكل هدوء أعصاب ويفعلون ما يفعله أي شخص في ذلك اليوم, إلا أنا فقد كان تأثيره في نفسي مؤلما جدا إلى حد الصدمة المذهلة, وعلى فكره هذه الحادثة تحدث في 99% من أعراسنا, وينجو منها 1% وهم الأصحاء عقلياً.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟